بعد 22 سنة...تفاصيل عملية ''سندس'' الإرهابية..
شهد يوم 11 فيفري 1995 عملية إرهابية دامية ، كانت الأولى في تاريخ تونس، و راح ضحيّتها 7 شهداء من رجال الحرس الوطني لتبقى تفاصيلها غامضة لدى الرأي العام عشرات السنين نظرا للتعتيم الإعلامي الممنهج الذي رافقها في تلك الفترة.
في بحثنا عن تفاصيل هذه العملية الغادرة لاحظنا تباينا في الروايات ،وصل إلى حدّ التناقض، نظرا لقدم هذه الحادثة الإرهابية تاريخيّا ما جعل جلّ الروايات التي ترددت في العقدين الماضيين تقترب من الرواية الشعبية المتداولة أكثر من أن تكون مادة إعلامية تحتوي معطيات دقيقة أوّلا ، و لغياب شهود عيان لا تتأثر شهاداتهم بالانطباعيّة في درجة ثانية.
جغرافيّا، مركز الحرس الوطني "سندس" هو مركز حدودي متقدم تابع لمعتمدية تمغزة من ولاية توزر، تحدّه غربا منطقة "بير العاتر" الجزائرية (على بعد كيلومتر واحد) و يقع على بعد أمتار قليلة من سلسلة جبال "أم الكماكم" الجزائرية الوعرة التي كانت مكان تحصن مجموعات إرهابية عديدة.
في سنة 1995، كان القطر الجزائري يعيش على وقع حرب ضروس أكلت الأخضر و اليابس في بلد المليون شهيد عندما رفعت "المجموعة الإسلامية المسلحة GIA" السلاح على الدولة الجزائرية في حقبة زمنية سميّت "العشريّة السوداء" و راح ضحيّتها حوالي 500 ألف ضحية بين قتيل و جريح و مفقود .
في نفس الفترة وصلت معلومات استخباراتية عديدة تفيد بإمكانية استهداف مراكز حرس حدودية تونسية و منها خصوصا مركز "المغطّة" و مركز "سندس" وهي نفس المعطيات التي بلغت الاعوان العاملين في هذه المراكز .
حقائق عديدة كشفت ،في نطاق ضيّق، عقب العملية التي استهدفت مركز "سندس" للحرس الوطني أهمها أن مجموعة إرهابية تتبع ما يسمى "بالمجموعة الإسلامية المسلحة GIA " كانت متمركزة منذ أوّل شهر فيفري من سنة 1995 في جبل "أم الكماكم " على مقربة من منطقة "سندس" تترصد مركزا للحرس الوطني وتتابع كل تحركات أعوانه ا داخل المركز او خارجه وسط تستّر عدد من رعاة المنطقة الذين تم التحقيق معهم فيما بعد لمعرفة عدد الجناة الذي حصر عددهم بين 6 و 10 إرهابيين.
يوم 11 فيفري 1995 ، الموافق ليوم 11 رمضان، كانت 'ساعة الصفر' للعملية الإرهابية هو موعد الإفطار ، و يعتبر وقت الإمساك و موعد الإفطار في شهر رمضان هي الأوقات الاستراتيجية التي تنفذ فيها المجموعات الإرهابية هجماتها على المراكز الأمنية و الدوريات العسكرية لكونها أوقات عادة ما تكون فيها درجات التركيز في درجاتها الدنيا في شهر الصيام ، و كان مركز "سندس" وقتها يظم 10 أعوان ، خرج اثنان منهم في إجازة قبل الحادثة و كان الناجي الوحيد من المباشرين يومها قد ذهب للإفطار في أحد منازل المنطقة.
داهمت المجموعة الإرهابية المركز عندما كان الاعوان يستعدون للإفطار و قيّدت الأمنيين السبعة و قتلت خمسة منهم في مرحلة أولى تاركة رئيس المركز و سائق المجموعة لتقتاد بعدها رئيس المركز إلى مخزن السلاح وسط المركز.
حاول الأمني سحب سلاحه الشخصي بيده المكبّلة لمنعهم من "احتطابهم" لكن رصاص الغدر كان أسرع من محاولته الشجاعة فارتقى سادس الشهداء في هذه العملية .
سطت بعدها المجموعة الإرهابية على كل الأسلحة و المؤونة واختطفت السائق الذي رافقهم إلى داخل التراب الجزائري على متن سيارة المركز التي كان يقودها ثم و بمجرد وصولهم إلى منطقة متاخمة للجبل قامت بقتله.
كانت عملية "سندس" الإرهابية بمثابة جرس الإنذار للوحدات الأمنية و العسكرية التونسية ، رغم أن الهدف منها كان الحصول على أسلحة و مؤونة بالأساس، فتكونت بعدها منظومة تأمين الحدود البرية التونسية و ووقع تركيز منظومات دفاع مشتركة بين الحرس و الأمن و الجيش الوطني وتم تأسيس منظومة الإرشاد الحدودي .
لكن ما استغربه المتابعون للشأن الأمني هو محاكمة شهداء تلك العملية بالخيانة العظمى لكونهم كانوا على علم بإمكانية استهدافهم من قبل عصابات الإرهاب حسب رواية النظام وقتها ... معلومات كانت فعلا قد بلغت الوحدات الأمنية قبل حادثة "سندس" الإرهابية لكن تواترها و تكرارها جعل منها معلومات "روتينية" لدى الفرق الأمنية التي عملت في تلك الفترة في المراكز الحدودية المستهدفة.
برهان اليحياوي
* صورة توضيحية